التهنئة في الأعياد والمواسم
العيد في الإسلام هو مظهرٌ من مظاهره، وشعيرة من شعائره، فتعظيمُه داخلٌ في قوله - تعالى -: ﴿ ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ ﴾ [الحج: 32]، وقد جعله الله للمسلمين كما كان للأمم من قبلهم، فكما روى أنس - رضي الله عنه - أنَّ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - لما قدم المدينة وجدهم يَحتفلون بعيدين، فقال: ((كان لكم يومانِ تلعبون فيهما، وقد أبدلكم الله بهما خيرًا منهما: يوم الفطر، ويوم الأضحى))؛ رواه أبو داود والنسائي.
وقد كان صحابة رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يُهنِّئ بعضهم بعضًا في العيد، كما روى جُبير بن نُفيرٍ قال: "كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صلَّى الله عليه وسلَّم - إِذَا الْتَقَوْا يَوْمَ العِيدِ، يَقُولُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: تَقَبَّلَ اللَّهُ مِنَّا وَمِنْك"؛ [حسن]، ونقل ابن قدامة في "المغني" عن الإمام أحمد أنَّه قال: "لا بأسَ أن يَقُولَ الرَّجُل للرجُلِ يومَ العيدِ: تَقَبَّلَ اللَّهُ مِنَّا وَمِنْك".
وجاء في "الفتاوى الكبرى" لشيخ الإسلام ابن تيمية عن سؤالٍ يقول: هَل التَّهْنِئَةُ فِي العِيدِ وَمَا يَجْرِي عَلَى أَلْسِنَةِ النَّاسِ: "عِيدُك مُبَارَكٌ" وَمَا أَشْبَهَهُ, هَلْ لَهُ أَصْلٌ فِي الشَّرِيعَةِ أو لا؟ وَإِذَا كَانَ لَهُ أَصْلٌ فِي الشَّرِيعَةِ، فَمَا الَّذِي يُقَالُ؟ فأجاب: "أَمَّا التَّهنئة يوم العيد بقول بَعضهم لبعضٍ إذا لَقِيَهُ بعد صلاةِ العيدِ: تَقَبَّلَ اللَّهُ مِنَّا وَمِنْكُمْ, وَأَحَالَهُ اللَّهُ عَلَيْك, وَنحو ذلك, فهذا قد رُوِيَ عن طائفةٍ من الصَّحابةِ أَنَّهم كانوا يفعلُونهُ وَرخَّصَ فِيهِ الأئمَّةُ, كأحمد وغيره"؛ (2/ 228).
وسُئِلَ الشيخ ابن عثيمين عن حكم التهنئة بالعيد؟ وهل لها صيغة مُعينة؟ فأجاب: "التهنئة بالعيد جائزة، وليس لها تهنئة مخصوصة؛ بل ما اعتاده الناسُ، فهو جائز، ما لم يكن إثمًا"؛ "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (16/ 208).
وقد ورد عن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - عند رُؤية الهلال - فيما رَوى قتادة أنه بلغه - أن نبي الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - كان إذا رأى الهلال قال: ((هلال خيرٍ ورشد، هلال خير ورشد، هلال خير ورشد، آمنت بالله الذي خلقك)) ثلاث مرات، ثم يقول: ((الحمد لله الذي ذهب بشهر كذا، وجاء بشهر كذا))؛ "سنن أبي داود".
وعن طلحة بن عُبَيدالله أَن النبيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - كان إذا رأى الهلالَ، قال: ((اللَّهُمَّ أَهلَّهُ عَلَيْنَا بِاليُمْنِ وَالإِيمَانِ، وَالسَّلاَمَةِ وَالإِسْلاَمِ، رَبِّي وَرَبُّكَ اللَّهُ))؛ "سنن الترمذي".
والنبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - كما في حديث أنس - رضي الله عنه - قد حدد للمسلمين عيدين، يذكرون الله فيهما ويلعبون ويفرحون، ويُهنئ بعضهم بعضًا، ويجعلونها أيامًا يقبلون فيها على ربِّهم، وينشطون في الأعمال الصالحة، ومنها التزاوُر وصلة الرحم.
ومن المؤسف أن المسلمين قد ابتعدوا عن هذه المعاني من وجوه متعددة، فمنها:
1 - أنَّهم غيَّروا في فهمهم لإحياء أيام العيد.
[color:eb25=**********]2 - أنَّهم استحدثوا أيامًا أخرى غير ما ذكره رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - ضاهؤوا بها العيدين، واحتفلوا بها أكثر من عيدَي الفطر والأضحى، كالاحتفال بالمولد النبوي، وغير ذلك.
3 - أنَّهم ضمُّوا بعضَ أعياد المشركين إلى أعيادهم، فصاروا يَحتفلون بأعياد الكتابيِّين ويُحْيونها ربَّما أكثر من أهلها؛ كيوم النيروز (شم النسيم)، وعيد رأس السنة الميلادية (الكريسماس)، وعيد الحب، وغير ذلك.
وفي السطور التالية سوف نناقش هذه المباحث الثلاثة:
أولاً: استبدل المسلمون بسنة النبي - صلَّى الله عليه وسلم - وصحابته في إحياء أيام العيد بالإكثارِ من الذِّكر والدعاء والصلاة - الطربَ واللهو والتبرُّج والمجاهرة بالمعاصي، أو على الأقل تأخير الصلاة، وإظهار التأفُّف بالطاعة؛ لأنه عيد، والفرحة بانقضاء الصيام في عيد الفطر، كما قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين: "إنَّ كثيرًا من الناس تضيعُ أوقاتُهم في العيد بالسَّهرات والرقصات الشعبية، واللهو واللعب، وربَّما تركوا أداء الصلوات في أوقاتها أو مع الجماعة، فكأنَّهم يريدون بذلك أن يَمحوا أثر رمضان من نفوسهم، إن كان له فيها أثر، ويُجددوا عهدَهم مع الشيطان، الذي قلَّ تعامُلهم معه في شهر رمضان".
ثانيًا: قد استحدث المسلمون أيامًا أخرى غير العيدين عظَّموها، وأَجَلُّوا الاحتفال بها، كالاحتفال بالمولد النبوي، وظنُّوا أنَّهم يعظِّمون مقام النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم، وهم بهذا مبتدعون، كما قال الشيخ صالح الفوزان: "وإنَّ من جملة ما أحدثَ الناسُ من البدع المنكرةِ، الاحتفالَ بذكرى المولد النبوي في شهر ربيع الأول، وهم في هذا الاحتفال على أنواع: فمنهم من يَجعله مجرد اجتماع تُقرأ فيه قصة المولد، أو تُقدَّم فيه خطب وقصائد في هذه المناسبة، ومنهم من يصنع الطعام والحلوى وغير ذلك ويقدِّمه لمن حضر، ومنهم من يقيمه في المساجد، ومنهم من يقيمه في البيوت، ومنهم من لا يقتصر على ما ذُكِر، فيجعل هذا الاجتماع مشتملاً على محرَّمات ومنكرات؛ من اختلاط الرِّجال بالنساء، والرقص، والغناء، أو أعمال شركية؛ كالاستغاثة بالرسول، وندائه، والاستنصار به على الأعداء، وغير ذلك. وهو بجميع أنواعه، واختلاف أشكاله، واختلاف مقاصد فاعليه - لا شك ولا ريب أنَّه بدعة محرَّمة محْدَثة بعد القرون المفضَّلة بأزمان طويلة.
ثالثًا: أنَّ المسلمين جعلوا يعظِّمون أعيادَ المشركين ويهنِّئونهم بها؛ بل يَحتفلون معهم بها، وهذا مصداق لقوله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فيما رواه أبو سعيد الخدري وأبو هريرة عن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((لتتبعُنَّ سنَنَ الذين من قبلكم، شبرًا بشبر، وذراعًا بذراع))، وقد قال - صلَّى الله عليه وسلَّم - في هذا فيما رواه ابن عمر - رضي الله عنهما - عنه - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((من تشبَّه بقومٍ، فهو منهم)).
وقد روى البيهقي بإسناد صحيح في باب كراهية الدخول على المشركين يومَ عيدهم في كنائسهم، والتشبُّه بهم يوم نيروزهم ومهرجانهم، عن سفيان الثوري، عن ثور بن يزيد، عن عطاء بن دينار، قال: قال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: "لا تتعلَّموا رطانة الأعاجم، ولا تدخلوا على المشركين في كنائسهم يومَ عيدهم؛ فإنَّ السخطَ ينزل عليهم".
وقال ابن عمر في كلام له: مَن صنع نيروزهم ومهرجانهم وتشبَّه بهم حتى يَموت، حُشر معهم، ونصَّ الإمام أحمد - رحمه الله - على أنه لا يجوز شهودُ أعياد اليهود والنصارى، واحتج بقول الله - تعالى -: ﴿ وَالَّذِينَ لاَ يَشْهَدُونَ الزُّورَ ﴾ [الفرقان: 72]، قال: الشعانين وأعيادهم.
وفيها قال مجاهد: أعياد المشركين، وكذلك قال الربيع بن أنس والضحاك، وقال عبدالملك بن حبيب من أصحاب مالك في كلامٍ له، قال: فلا يُعَاونون على شيء من عيدهم؛ لأن ذلك من تعظيم شركهم، وعونِهم على كفرهم، وقد قال الله - تعالى -: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴾ [المائدة: 51].
وقد دلَّ الكتاب وجاءت سنة رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وسنة خلفائه الراشدين التي أجمع أهل العلم عليها - بمخالفتهم، وترْك التشبُّه بهم، فإيقاد النار والفرح بها من شعار المجوس عُبَّاد النيران، والمسلم يَجتهد في إحياء السنن وإماتة البدع، ففي الصحيحين عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إنَّ اليهود والنصارى لا يصبغون، فخالفوهم))، وقال النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((اليهود مغضوبٌ عليهم، والنصارى ضالون))، وقد أمرنا الله - تعالى - أن نقول في صلاتنا: ﴿ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ ﴾ [الفاتحة: 6، 7].
ومما ابتُلِي به المسلمون من جراء ذلك: بدعة "عيد الحب"، والاحتفال بالقس المسيحي "falantine" وتعظيمه على منهج الأوربيِّين، والتقليد الأعمى لهم، وفعل منكرات يَسْودُّ لها وجهُ المسلم في هذا اليوم، الذي يضيع فيه الحياء، وتستتر فيه المروءات، ويُطْلَق العِنانُ لشهوات النفوس الجائعة، تحت مظلَّة أنه عيد الحب، وقد جاء رد اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء على سؤال بشأن عيد الحب والاحتفال به؛ من شراء، وبيع، وإهداء، فأجابت اللجنة بقولها: "لأنه من الأعياد الوثنية النصرانية؛ فلا يَحل لمسلم يؤمن بالله واليوم الآخر أنْ يفعله، أو يُقِرَّه، أو أن يهنئ به؛ بل الواجب تركُه واجتنابه؛ استجابةً لله ورسوله، وبُعدًا عن أسباب سخط الله وعقوبته، كما يَحرُم على المسلم الإعانة على هذا العيد أو غيره من الأعياد المحرمة، بأيِّ شيء؛ من أكل أو شرب، أو بيع أو شراء، أو صناعة أو هدية، أو مُراسلة أو إعلان، أو غير ذلك؛ لأنَّه كله من التعاون على الإثم والعُدوان ومعصية الله ورسوله"؛ (من فتاوى اللجنة الدائمة برئاسة فضيلة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن محمد آل الشيخ، وعضوية الأفاضل الشيخ صالح بن فوزان الفوزان، والشيخ عبدالله بن عبدالرحمن الغديان، والشيخ بكر بن عبدالله أبو زيد).