لك أيها الحاج
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد:
فإن الحج أحد أركان الإسلام، تتجلى فيه مظاهر العبودية لله عز وجل، ويبدو ذلك واضحًا في كل أعماله، والعبودية لله سبحانه فيها سكينة القلب وطمأنينة النفس وراحة البال، والذل لله والخضوع لمقتضى أمره ونهيه فيشعر المرء بحلاوة ذل العبودية.
وقد فرض الحج على المكلف مرة واحدة في عمره وما زاد فهو تطوع وهذا من رحمة الله بنا، قال صلى الله عليه وسلم: "إن الله فرض عليكم الحج فحجوا" فقال رجل: أكل عام يا رسول الله؟ قال: "لو قلت نعم لوجبت ولما استطعتم" {أخرجه مسلم}.
ولقد جاءت فرضية الحج مقرونة بالاستطاعة في قوله سبحانه ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا، وهو من العبادات البدنية المالية، حيث لابد من توافرهما معًا لتحقيق شرط الاستطاعة، فضلا عن ترك الحاج لأهله وأولاده ما يكفيهم من طعام وكسوة ونحوهما حتى يعود من حجه، ففي الحديث "كفي بالمرء إثمًا أن يضيع من يقوت" {أخرجه أبو داود وحسنه الألباني} فعلى المسلم أن يبادر بأداء تلك الفريضة ولا يؤخر أداءها فقد يمرض الصحيح وتعطب الدابة وفي حديث أبي داود عن ابن عباس رضي الله عنهما "من أراد الحج فليتعجل".
وعلى الحاج قبل سفره بعض الواجبات والمستحبات التي يجب عليه أداؤها منها.
1 التوبة والإخلاص: فإذا شاء الله للمسلم الحج فعليه أولا أن يقلع عن كل الذنوب، ويعزم على عدم العودة إليها، ويندم على فعلها، وأن يرد الحقوق إلى أهلها، فيخرج من مظالم العباد، ويرد الأمانات إلى أهلها، ويؤدي الديون إذا حان وقت سداداها، أما إذا قرب وقت أدائها فعليه أن يستأذن أصحابها لإمهاله وإنظاره إلى أن يعود من حجه، وأن يتحلل ممن اغتابهم ويكثر الاستغفار لهم، ويسأل الله أن يرحمه ويرضي خصماءه عنه، ويتقبله في الصالحين، وأن يخلص النية في عمله لله رب العالمين، فلا يبتغي بذلك رياءً ولا سمعة فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا.
2 المشورة والنصيحة: ويستحب للحاج أن يطلب النصيحة والمشورة ممن يثق في دينهم وعلمهم، وأن يكتب وصية قبل سفره ويشهد عليها ويوكل غيره في أداء حقوق العباد إذا حان وقت أدائها أثناء سفره فضلا عن حقوق رب العباد كالزكاة وغيرها.
3 تحري المال الحلال في نفقة حجه وعمرته، وقد ذهب الإمام أحمد رحمه الله إلى أن الحج لا يجزيه إذا حج من مال حرام، إذ المال الحرام يعظم به الوزر ويزداد به الإثم.
4 تعلم مناسك الحج وأحكامه قبل السفر ، فالعلم مقدم على العمل فطلب العلم فريضة ولا سيما إذا تعلق بالفروض العينية، وكم شاهدنا من مسائل هي من بدهيات الحج يقع فيها الحاج بسبب عدم علمه بالمناسك، وعلى الدعاة أن يبينوا للحجاج قبل سفرهم كل ما يعملونه في تلك الرحلة المباركة.
5 أن يودع أهله وإخوانه قبل سفره، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم قبل سفره يودع أصحابه ويقول: "استودع الله دينكم وأمانتكم وخواتيم أعمالكم" {رواه أحمد والترمذي} وفي صحيح البخاري أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إني أريد السفر فزودني، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "زودك الله التقوى"، قال: زدني، قال: "وغفر ذنبك"، قال: زدني، قال: "ويسر لك الخير حيثما كنت" وقال له رجل: إني أريد سفرًا، فقال: أوصيك بتقوى الله والتكبير على كل شَرَف فلما ولى قال: "اللهم ازْوِ له الأرض، وهوِّن عليه السفر".
{رواه البخاري}
6 المحافظة على أدعية السفر:
فقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا استوى على بعيره خارجًا إلى سفر، كبر ثلاثًا، ثم قال: "سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنا إلى ربنا لمنقلبون اللهم إنا نسألك في سفرنا هذا البر والتقوى ومن العمل ما ترضى، اللهم هون علينا سفرنا هذا واطْوِعَنَّا بعده، اللهم أنت الصاحب في السفر، والخليفة في الأهل، اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر، وكآبة المنظر وسوء المنقلب في المال والأهل". {رواه مسلم}، ومقرنين أي مطيقين والوعثاء هي الشدة، والكآبة تعني تغير النفس، والمنقلب هو المرجع والمآب.
7 التكبير إذا صعد مرتفعًا والتسبيح إذا هبط منخفضًا، فقد ثبت في البخاري عن جابر رضي الله عنه قال: كنا إذا صعدنا كبرنا وإذا نزلنا سبحنا، وقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم قومًا يهللون ويكبرون إذا أشرفوا على وادٍ يرفعون أصواتهم بذلك فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: "أيها الناس أربعوا على أنفسكم فإنكم لا تدعون أَصَمَّ ولا غائبًا، إنه معكم، إنه سميع قريب". متفق عليه. أربعوا على أنفسكم أي ارفقوا بها.
8 الصحبة الصالحة: فالرفقاء إن كانوا على غير الصلاح أفسدوا الطريق وقد يفسدون الصديق، فالصديق قبل الطريق، والصاحب ساحب، فليتحر الحاج اختيار الرفقة المؤمنة، فالمرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل، والجليس الصالح كحامل المسك، وشرف الزمان والمكان لا يحتمل سوء الخلق وصحبة السوء.
9 الحذر من المعاصي والتفريط في الواجبات: فمن العجب أن ترى من أحرم والسجارة في فمه، ولسانه يغتاب وينم ويكذب ويضيع الصلوات ويجلس أمام الشاشات لمشاهدة المنكرات وكذا المرأة تحرم في ملابس تجسد عورتها أو ملابس زينة وتخالط الرجال وتخضع بالقول، فمتى يقلع العبد عن المعاصي إن لم يقلع في هذا الزمان وهذا المكان الذي تنزل فيه الرحمات وتعتق فيه الرقاب من الهلكات وتضاعف فيه الحسنات.
فعجل أخي بالحج لتُكَفَّر لك الذنوب وتُستَر لك العيوب، فالحج المبرور جزاؤه الجنة، والحج والعمرة ينفيان الفقر كما تنفى النار خبث الحديد وهو أفضل الجهاد للمرأة.
وإليك أخي ما قال شيخ الإسلام عندما سئل عن أيهما أفضل إيثار الفقراء أم الحج؟
ماذا يقول أهل العلم في رجل
آتاه ذو العرش مالا حج واعتمرا
فهزه الشوق نحو المصطفى طربا
أترون الحج أفضل أم إيثاره الفقرا
أم حجه عن أبيه ذاك أفضل أم
ماذا الذي يا سادتي ظهرا
فأفتوا محبًا لكم فديتكمو
وذكركم دأبه إن غاب أو حضرا
فأجاب:
نقول فيه إن الحج أفضل من
فعل التصدق والإعطاء للفقرا
والحج عن والديه فيه برهما
والأم أسبق في البر الذي ذكرا
لكن إذا خص الأب كان إذًا
هو المقدم فيما يمنع الضررا
كما إذا كان محتاجًا إلى حلةٍ
وأمه قد كفاها من برى البشرا
هذا جوابك يا هذا موازنةً
وليس مفتيك معدودًا من الشعرا
والله من وراء القصد.