كتبه/ إيهاب الشريف
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد،
كيف تعيش رمضان بإيمانياته؟ كيف يكون رمضان نقطة تحول في حياتك الإيمانية؟؟
كيف تجعل رمضان هذا العام غير كل الرمضانات التي صمتها من قبل؟ كيف..!!
كيف وأخواتها:
إن صحت هذه التسمية فإن الإجابة على هذه التساؤلات بالفعل تجعل للصيام طعما جديدا ومذاقا خاصا -إن شاء الله تعالى-.
إنه ومع المداومة على العبادة عاما بعد عام تحولت في كثير من معانيها إلى روتين سنوي كالصلاة عند البعض روتين يومي!! فلم يعد يشعر لها بلذة ولم تعد تترك فيه أثرا! بل البعض ربما تزيده بعدا -والعياذ بالله تعالى-.
وحتى تكسر هذا الروتين وحتى تتذوق حلاوة الصيام تعالوا بنا أحبتي في الله إلى عناصر خمسة تكون -إن شاء الله- سببا في إنعاش القلب وإحياء الإيمان فيه مما يترك ويعود بدوره على الجوارح بالأثر الفعال والتغير الواضح.
المحولات العجيبة!!
عجيبة لأنها -بإذن الله- تحول العبادة إلى لذة.. إلى متعة روحية وسعادة يؤديها العبد وهو ذائق للذتها، شاعر بثمرتها، وبالتالي فلا يمل منها، بل يشتاق إليها، لسان حاله: أرحنا بها لا أرحنا منها.
ولست أدعي أنني أتيت بما لم يأت به أحد قبلي، وإنما هي وسائل مستفادة من التكرار السنوي لهذه العبادة مع التوقف أمامها كل عام للنظر في فضائلها وآثارها وكيفية أدائها وهذه العناصر الخمسة ليست نظرية، بل عملية فالمطلوب منك وبعد قراءة هذه الكلمات مباشرة أن تبادر إلى العمل كيما تحصل على النتيجة -بإذن الله عز وجل-.
وعناصرنا الخمسة كما يلي:
1- التعرف على قدر الصيام: وهذا بدوره يثير الشوق في القلب لإحسان الاستقبال والتأهب للقاء.
2- التعرف على قدر رمضان: وهذا يملأ القلب تعظيما له، ويظهر ذلك على الجوارح اجتهادا في القربات، واتقاء للمخالفات والحرمات.
3- التعرف على معنى الصيام: المعنى الإيماني التربوي لا اللغوي أو الفقهي فحسب، وهذا يؤدي بالعبد إلى مقام الإحسان بالحرص على الإتقان فيورثه ذلك صوما مقبولا -بإذن الله-.
4- التعرف على أحوال السلف: اجتهادا في الصيام وحرصا عليه ثم تجويدا وصيانة له، وهذا يدفع العبد للمنافسة، ويشعل في قلبه حب المجاهدة ويمنحه بعد رمضان المداومة.
5- التعرف على صفة صوم النبي -صلى الله عليه وسلم- وهديه في الصيام؛ بتعلم أحكام الصيام وآدابه كركن من أركان الإسلام وهذا يورث العبد صوما صحيحا.
تلك خمسة كاملة، من خلالها -إن شاء الله- يكون لهذا الرمضان طعم جديد، يكون له أثر بعد رحيله -إن شاء الله عز وجل-.
ولنتناول العنصر الأول بشيء من التفصيل:
"التعرف على قدر الصيام": وهنا يتبادر في الذهن ما ورد في حق الصيام من فضائل وما له من ميزات، ولكن لابد وقبل كل ذلك أن نتساءل: ما هو أعظم أمر يدل على قدر الصيام ويوضح أهميته؟ كلنا يتبادر إلى ذهنه كما قلت فضائله! لكني أقول لك: إن أعظم أمر يدل على أهمية الصيام ويوضح قدره أنه ركن من أركان الإسلام: (بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة والحج وصوم رمضان) متفق عليه.
فدينك لا يقوم إلا بهذه الأركان، ومن انتقص شيئا منها فدينه ناقص أو زائل. صيام رمضان فرض.. ركن من أركان الإسلام ثم يأتي بعد ذلك ما ورد في حقه من فضائل.
نعم.. استحضار العبد ذلك في قلبه يجعل للعبادة طعما آخر.. ولونا جديدا -بإذن الله عز وجل-.
لذلك فإن من الوظائف التي تسبق شهر رمضان مطالعة ما ورد في فضل الصيام لإثارة كوامن الشوق في القلب لإحسان استقباله والتأهب للقائه.
إذا تصورنا الآن أنه بعد أيام يقبل علينا ضيف كريم وكما يقول الناس: "رمضان كريم"، حقا ضيف معه الكثير من الهدايا وله الكثير من الفضائل والميزات.. شهر يلقاه العبد محملا بالذنوب فلا يخرج منه إلا وقد غفر له ما تقدم من ذنبه، شهر يرفع درجات العبد في الجنة، شهر تؤدى فيه عبادة لا تؤدى إلا فيه في السنة كلها "فريضة".
تلك العبادة: من أحب الأعمال إلى الله، بل هو لا عدل له، فعن أبي أمامة -رضي الله عنه- أنه سأل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (أي العمل أفضل قال عليك بالصوم فإنه لا عدل له) رواه النسائي، وصححه الألباني، وفي رواية صحيحة: (لا مثل له).
تلك العبادة: من ختمت حياته بها دخل الجنة، (من صام يوما ابتغاء وجه له ختم له به دخل الجنة) رواه أحمد، وصححه الألباني.
تلك العبادة: تشفع لصاحبها يوم القيامة (الصيام والقرآن يشفعان للعبد يقول الصيام رب إني منعته الطعام والشراب بالنهار فشفعني فيه ويقول القرآن رب منعته النوم بالليل فشفعني فيه فيشفعان) رواه أحمد والطبراني، وصححه الألباني.
تلك العبادة: ينفرد العبد بسببها بالدخول من باب الريان (لا يدخل منه أحد غيرهم) متفق عليه، أي: الصوام.
تلك العبادة: وقاية وحماية من عذاب الله -عز وجل- (الصوم جنة من عذاب الله) رواه أحمد والبيهقي، وصححه الألباني.
تلك العبادة: من شرفها أن الله أضافها لنفسه فقال: (الصوم لي) متفق عليه.
تلك العبادة: التي هي من شعار هذه الأمة يوم القيامة (لخلوف فم الصائم أطيب عند الله تعالى من ريح المسك) متفق عليه، بل ذهب الحافظ ابن حجر -رحمه الله- أن الخلوف أعظم من دم الشهيد؛ لأن دم الشهيد ريحه ريح المسك والخلوف أطيب من ريح المسك.
تلك العبادة: تكون سببا في تكفير السيئات (فتنة الرجل في أهله وماله ونفسه وولده وجاره يكفرها الصيام والصلاة والصدقة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) متفق عليه.
تلك العبادة: فتحت للعبد بابا لاستجابة الدعاء (ثلاث دعوات مستجابات دعوة الصائم، ودعوة المظلوم، ودعوة المسافر) رواه البيهقي، وصححه الألباني.
تلك العبادة: سبب لصلاة الله وملائكته على العبد (إن الله وملائكته يصلون على المتسحرين) رواه أحمد، وحسنه الألباني.
وهذا غيض من فيض، ولو رحنا نعدد فضائل الصيام ومميزاته ما وسعنا ذلك في هذه الصفحات، لكنها إشارة توقد في القلب الهمة للمطالعة لتحصيل هذه الثمرة من العنصر الأول ألا وهي التأهب للقاء وإحسان الاستقبال.
وأترك لك أخي القارئ المجال لتطبق هذا العنصر بمطالعة ما ورد في فضل الصيام لتحصيل المزيد من الشوق، وذلك بالنظر فيما كتب عن ذلك ككتاب: "ري الظمآن في فضل الصوم وشهر رمضان" لشيخنا المفضال/ سيد حسين العفاني -حفظه الله-، أو غير ذلك من الكتب التي تحدثت عن فضل الصوم وقدره، وكما قلت لك كلماتنا عملية لا نظرية. وإلى اللقاء مع العنصر الثاني في المقال التالي -إن شاء الله-.