مذكرات كبير ياوران زوجة بن علي
ليلي كانت تذهب إلي نادي «إليسا» 3 مرات في الأسبوع
تكتسب حكايات وأسرار القصور نكهة خاصة، عندما تأتي علي ألسنة العاملين فيها، تعطي نظرة أكثر قربا، وتفاصيل أكثر سخونة، وخصوصية لا يقترب منها سوي عدد محدود، وقع عليهم الاختيار بعناية شديدة للعمل في خدمة الرئيس أو الملك، وهو ما يعطي كتاب في ظل الملكة شهادة كبير خدم بن علي ، أهمية خاصة بما يكشفه من تفاصيل خاصة وجديدة عن حياة الرئيس التونسي السابق، زين العابدين بن علي، وزوجته ليلي الطرابلسي، والعديد من أسرار الأسرة التي حكمت تونس، قبل أن ينتهي بها الحال مشردة ما بين المنفي والسجون، بعد أن أطاحت الشرارة الأولي لثورات الربيع العربي بحكمه
يعتمد الكتاب الصادر عن دار نشر ميشال لافون للنشر، في سرد تفاصيل وأسرار الأسرة الحاكمة في تونس، علي شهادة لطفي بن شرودة، كبير خدم بن علي، والذي قامت الصحفية الفرنسية إيزابيل سواريز بصياغة شهادته عن سنوات الحكم، في كتابها في ظل الملكة ، وتؤكد إيزابيل في مقدمة كتابها أنها فكرت كثيراً قبل أن تقدم علي صياغة شهادات لطفي بن شرودة، الراوي الرئيسي للأحداث في الكتاب، مضيفة أن اتخاذ مثل هذا القرار، لم يكن أمراً سهلاً بالنسبة لها، خاصة أنه يتعلق بشخصية تاريخية مازالت علي قيد الحياة، وتشكل جزءاً من الأحداث التي تمر بها تونس حتي الآن، ومازالت شخصيته تثير الكثير من الجدل، ولكن شعرت إيزابيل في النهاية، أن واجبها المهني يحتم عليها تقديم هذا الكتاب، لكي تساعد الشعب التونسي علي معرفة طبيعة الشخصيات التي حكمته لسنوات طويلة، خاصة أن الشهادات التي يحملها الكتاب تأتي من رجل عاش مع أسرة الرئيس المخلوع منذ عام
يتضمن كتاب في ظل الملكة ، ثمانية فصول، أهمها الفصل السابع الذي يحمل عنوان نادي إليسا ، وهو لا يكتفي بأن يكشف أسرار قصر الرئاسة التونسي، ولكنه يلقي الضوء أيضا علي أسرار قصر الرئاسة في مصر، عن طريق العلاقة الوطيدة التي ربطت بين السيدتين الأوليين في مصر وتونس، سوزان مبارك وليلي الطرابلسي، فبحسب الكتاب، كانت زوجة الرئيس التونسي تكن مشاعر التقدير لزوجة مبارك، وتسعي للسير علي خطاها في إدارة شئون البلاد، وهي الإدارة التي اعتمدت علي علاقات نسائية في منتجعات التجميل الخاصة
يبدأ الفصل السابع من كتاب في ظل الملكة ، وهو الفصل الأكثر أهمية وتشويقا، مع عام ، عند انعقاد أول قمة لمنظمة المرأة العربية، والتي استضافتها القاهرة، وخلال هذه القمة دعت سوزان مبارك زوجة الرئيس المصري السابق، صديقتها التونسية من أجل الذهاب معها لناد خاص، والاستمتاع معها بـ خاصة بالنساء، وهناك التقت ليلي الطرابلسي أهم السيدات في المجتمع المصري والعربي، وأكثرهن نفوذاً، وأدركت أن هذا المنتجع هو أكثر من كونه مجرد مركز صحي وتجميلي، وأنه مركز لإدارة شئون البلاد، وفور عودتها إلي بلادها، قررت ليلي الطرابلسي تطبيق الفكرة ذاتها في بلادها، بعد أن أعجبت بها
وبالفعل، عادت ليلي إلي تونس، وهي تعلم بالضبط أين يقع المكان المناسب لتأسيس مثل هذا المنتجع الصحي، ففي عام صدر قرار رئاسي بمصادرة الملهي الليلي الشهير البركة ، لصالح الدولة، ووقتها كان الجميع يعلم أن اسم الدولة هنا لم يكن أكثر من غطاء للشخصين الحقيقيين اللذين استوليا عليه، وهما ليلي الطرابلسي وشقيقها حسن، واللذان قررا استغلال البناية في تأسيس شركة مع رجل أعمال سعودي، مقابل حصول السيدة الأولي السابقة في تونس، وشقيقها، علي نسبة من الأرباح، لكن رفض رجل الأعمال السعودي هذه النسبة الكبيرة، وهو ما تسبب في توقف المشروع، ووقتها أثارت هذه القضية ضجة كبيرة في البلاد، فـ البركة كان واحدا من أشهر الملاهي الليلية التاريخية، خاصة أنه تم تأسيسه في عام ، بعد أن اشتري رجل الأعمال سعد كرموس هذه الأرض، من رجل أعمال يهودي تونسي، غادر تونس بعد الاستقلال، وأسس كرموس علي الأرض أول ديسكو تك في البلاد، والذي سرعان ما تحول إلي أيقونة السهر في تونس، وشهد المكان حضور العديد من مشاهير الموسيقي والسينما إليه، مثل إيدث بيف وداليدا وجيمس براون وغيرهم
وما أن طرأت فكرة المنتجع الصحي النسائي علي ذهن ليلي الطرابلسي، حتي قررت أن تحول بناية البركة التاريخية إلي نادٍ ومنتجع صحي نسائي، مثل الخاص بـ سوزان مبارك ، وأطلقت عليه الطرابلسي اسم أليسا ، تيمنا باسم الأميرة الفينيقية أليسا ، التي تشير الأساطير إلي أنها قامت بتأسيس مدينة قرطاج، أشهر المدن التاريخية في تونس
واعتمدت ليلي الطرابلسي في تأسيس المنتجع، علي مساعدة هالة زوجة شقيقها مراد، وأعطت إدارته لشقيقتها سميرة، التي تمتلك مع زوجها العديد من الكافيهات والملاهي الليلية في مختلف أنحاء تونس، ووصلت قيمة الاشتراك السنوي في نادي اليسا إلي ما يوازي ستة آلاف جنيه، حيث انضمت إلي النادي كل سيدة تنتمي للطبقة البرجوازية في تونس، وكل سيدة يعمل زوجها في مجال السياسة والأعمال، وكل سيدة تتمني أن يلتحق زوجها بالعمل السياسي أو دائرة رجال الأعمال في تونس، كما تم إرسال دعوات خاصة لزوجات جميع السفراء الأجانب، من أجل الانضمام لهذا النادي
ويشير بن شرودة في حكاياته للصحفية الفرنسية، إلي أن عربية هند ، المدلكة الخاصة لليلي الطرابلسي، وصديقتها المقربة، كانت من أبرز الوجوه التي ارتبط اسمها بنادي أليسا، حيث كانت تلعب دور الوسيط في الكثير من الصفقات والاتفاقات التي تعقد في النادي الصحي، والذي ضم مطعماً فخماً، وصالة سينما، وصالة ألعاب رياضية، وقاعة للاحتفالات، أما المنتجع الصحي فقد تم تأسيسه علي أحدث طراز، وتم إلحاق كازينو للعب القمار بنادي اليسا، ووفقا لما يقول بن شرودة كانت ليلي الطرابلسي تعشق لعب البوكر، وكانت سهراتها تمتد إلي الساعات الأولي من النهار، وعادة ما كان ينضم لها شقيقها حسن الطرابلسي، الذي كان يصطحب معه دائما حقيبة تحتوي علي كل ما يحتاج إليه من أموال نقدية ومخدرات
وتحول نادي اليسا في العقد الأخير، وفقا لما يقول بن شرودة، إلي مركز لإدارة شئون البلاد سياسياً واقتصادياً، فزوجات الوزراء كن يقمن باتخاذ القرارات هناك ليلا، بينما لم يكن أزواجهن سوي صورة، تتولي إعلان هذه القرارات نهارا، مضيفا أن كل القرارات المهمة كان عليها أن تمر أولا علي ليلي الطرابلسي، التي نجحت في تأسيس ناد ومنتجع أقرب ما يكون إلي برلمان يصدر كل القرارات المهمة قبل البرلمان الفعلي، فبين حمامات البخار ومياه الجاكوزي، وعلي إيقاع أصابع المدلكات، كان يتم تحديد التغييرات الوزارية، وفي ظل حكم ليلي الطرابلسي كانت زوجات الوزراء يلعبن دور الوسيط لديها
كانت ليلي الطرابلسي تذهب إلي نادي اليسا ثلاث مرات في الأسبوع، وعلي شرفها كان يتم إعلان حالة الاستنفار القصوي، من أجل تأمين وصولها، مع الحرص علي توفير كل ما تريده السيدة الأولي، وعلي رأس القائمة، شراب البرغموت الذي كانت ليلي وزوجها بن علي يحرصان علي تناوله، لما له من فوائد صحية
وحرصت ليلي الطرابلسي علي توفير الأفضل لناديها الذي حكمت من خلاله تونس، واستعانت بالعاملين في قصر الرئاسة من أجل العناية بحدائق النادي، ويؤكد لطفي بن شرودة أن إدارة نادي اليسا كانت تشبه إلي حد كبير إدارة شئون تونس، والدليل علي ذلك قصة الطاهي وليد، الذي جاء إلي تونس بعد أن تربي في إيطاليا، والتحق بالعمل في مطعم تريفولي الشهير، وفي إحدي زيارات بنات بن علي للمطعم، أعربن عن إعجابهن بالطاهي، وطلبن منه الالتحاق بالعمل في نادي اليسا، وبالفعل انتقل الطاهي إلي النادي، ليصبح كبير الطهاة هناك، ولكن العمل الشاق، وعدم قدرته علي الحصول علي إجازة، أدت إلي انهياره، ودخوله المستشفي فيما بعد، وعندما طلب الحصول علي إجازة للراحة، قالت له سميرة شقيقة ليلي إما أن تعمل وإما أن ترحل ، وهي الجملة الشهيرة التي اعتاد أغلب التوانسة علي سمعها، وبالفعل رحل وليد بعد خمس سنوات من العمل، دون أن يحصل علي مرتبه أو مكافأة نهاية خدمة، ويؤكد بن شرودة أن كل أموال النادي كانت تذهب مباشرة لجيب ليلي الطرابلسي، ولم يكن بن علي نفسه يعلم بأي شيء عن أرباح هذا النادي
الفجر
الفجر